دبي: المرصد، أشرف جابر، وكالات
في دفعة معنوية كبيرة لشباب الإمارات والشباب في العالم العربي، وعبر تقنية الاتصال المرئي بالفيديو اجتمع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس مركز محمد بن راشد للفضاء، مع فريق الإطلاق الإماراتي، الموجود في اليابان و الذي يضم 21 مهندساً ومهندسة، يمثلون وكالة الفضاء الإماراتية ومركز محمد بن راشد للفضاء، وفريق مركز التحكم بمنطقة الخوانيج في دبي.
واطلّعَ أصحاب السمو على الاستعدادات النهائية لإطلاق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل “، والمهام العلمية والفنية التي يشرف عليها فريق المسبار الإماراتي، وذلك قبل انطلاق المسبار من مركز تانيجاشيما الفضائي في اليابان، في رحلته العلمية التي يدشِّن خلالها فصلا جديدا في تاريخ دولة الإمارات والعالم العربي، بوصفها أول مهمة عربية لاستكشاف الفضاء الخارجي، وأول مهمة من نوعها في العالم ستقوم بتوفير معلومات غير مسبوقة عن مناخ الكوكب الأحمر.
وذكر الشيخ محمد بن راشد، أن الشيخ زايد يرحمه الله، اجتمع عام 1976، مع خبراء وكالة ناسا وكان هذا طموحه، “واليوم عيال زايد يحققون الحلم”.، مشيراً إلى أن ” هذه الكفاءات من الشباب والشابات، المهندسين والمهندسات، الذين تعلّموا ووصلوا إلى هذه المراحل هم الهدف من هذا المشروع كله”.
وأثنى بن راشد على دعم القيادة الإماراتية وقال: “نتشرف اليوم بوجود قائدنا و قائد الفريق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد معنا ليشجعكم ويشجعنا” .
من جانبه نقل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فريق “مسبار الأمل” في اليابان تحيات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” وقال سموه: “إن شاء الله نكون عند حسن ظن أهلنا والسلف الذين أسسوا هذه الدار، وجعلوها لنا دار أمن واستقرار وعز ومستقبل طيب”.
وثمَّن سموه دور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وقال :” بجهودك أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وهمتك نرى اليوم هذه الكفاءات التي تشرفنا وتشرف أهلهم و بلادهم وعالمهم العربي” وأضاف سموه: “إن هذا الحدث لم يكن ليتحقق لولا اهتمام أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الشخصي وعزمه وعزيمته وإصراره على أن يكون تاريخاً مهماً في حياتنا.
وفي مسيرة دولة الإمارات، لقد كنت العامل الرئيسي وراء هذا الحدث”.
و قال سموه: “أشكر أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد باسمي وباسم كل إماراتي محب و غيور على هذا الحدث وهذه المناسبة”.
و أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان : “إنه ليوم كبير في تاريخ الامارات وأمتنا العربية.. هذا الإنجاز باسمهم وباسم كل عربي كونه الأول من نوعه في تاريخنا” وأضافً سموه أن يكون هذا الحدث بسواعد إماراتيين فهو يوم تاريخي دون شك.. وهذا شرف كبير لي أنا شخصياً.
إلى ذلك قال سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم: “نتطلع إلى نحتفي معاً باستقبال أول رسالة وأول قراءة من مسبار الأمل الإماراتي حين يبدأ مهمته الاستكشافية للكوكب الأحمر، ما سيوفره المسبار من معلومات و بيانات حول مناخ المريخ سيكون كشفاً علمياً متاحاً في خدمة البشرية”.
وأضاف سموه : ” فريق مسبار الأمل يهدي إنجازه لكل أبناء الوطن العربي.. هي دعوة من الإمارات لشبابنا وعلمائنا العرب كي ينضموا إلينا في صناعة إنجازات علمية جديدة.. لقد دخلنا عصر الفضاء.. وتنتظرنا مهمات أخرى.. ونحتاج لكل العقول العربية المبدعة”.
ثقة كبيرة.
وحرص أصحاب السمو على تفقد كافة التحضيرات العلمية والفنية واللوجستية الأخيرة، وجاهزية الفريق للتعامل مع كافة مراحل الإطلاق، معربيْن سموّهم عن ثقتهم الكبيرة بقدرة فريق المسبار الإماراتي من المهندسين والمهندسات، فريق الأحلام الذي يعانق ثقافة اللامستحيل، على تنفيذ وتسيير وإدارة هذه المهمة العلمية التاريخية بكل كفاءة واقتدار، سواء فريق الإطلاق الموجود في اليابان أو فريق محطة التحكم الأرضية بدبي، خاصة في الشهور الأخيرة في ظل التحديات الصحية واللوجستية التي فرضها تفشي وباء فيروس كورونا المستجد /كوفيد – 19/، والتي تمكن فريق مسبار الأمل الإماراتي من التغلُّب عليها.
كما حرص أصحاب السمو على الوقوف على الحالة المعنوية لأعضاء الفريق وشعورهم وهم على بعد ساعات من صنع لحظة تاريخية، مؤكدين لهم أن الإمارات قيادة وشعباً تقف وراءهم.
استعدادات فريق مسبار الأمل.
وقد أتم فريق الإطلاق الخاص بمسبار الأمل والموجود في اليابان اختبارات المحاكاة و المتابعات التقنية و التجارب النهائية لإعداد مسبار الأمل للإطلاق حريصين بعد عملية تأجيل الإطلاق أكثر من مرة على التأكد من جميع القراءات والمعطيات ذات الصلة.
ومنذ وصول مسبار الأمل إلى محطة الإطلاق في اليابان في أبريل الماضي، عمل المهندسون الإماراتيون، ضمن فريق الإطلاق، خلال الشهرين الماضيين على مدار الساعة لمتابعة التفاصيل والاستعدادات الأخيرة، حريصين على إجراء جميع الاختبارات والتجارب، وفق منهجية محددة، شملت توزيع المهام والاختصاصات ما مكنهم من العمل بأكبر قدر من المرونة والفاعلية، في ظل التحديات والتدابير الإجرائية والوقائية التي فرضها تفشي وباء فيروس كوروناالمستجد، لضمان متابعة العمل على المهام العلمية الخاصة بالمسبار.
إلى ذلك، استكمل فريق محطة التحكم الأرضية من مركز محمد بن راشد للفضاء في منطقة الخوانيج بدبي الترتيبات النهائية لمتابعة مسبار الأمل ومواكبة رحلته إلى المريخ، منذ لحظة إطلاقه وحتى بلوغه مدار الكوكب الأحمر.
وخلال الثلاثين يوماً الأولى، سيعمل فريق المحطة الأرضية بنظام المناوبات على مدار الساعة، لاستقبال الاتصال من المسبار وإرسال الأوامر إليه، إلى جانب تلقي المعلومات والبيانات التي يسجلها بعد انفصاله عن صاروخ الإطلاق، وفتح منظومة الألواح الشمسية التي تزوده بالطاقة.
يأتي إطلاق “مسبار الأمل” إلى المريخ ليتوج جهداً علمياً شارك فيه 200 مهندس ومهندسة، من أبناء وبنات الإمارات، على مدى الأعوام الستة السابقة و ذلك ضمن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، حقق خلالها المشروع العديد من الإنجازات العلمية من بينها إنجاز 200 تصميم تكنولوجي علمي جديد، وتصنيع 66 قطعة من مكونات المسبار في الإمارات.
وتشكل قصة نقل المسبار إلى محطة الإطلاق الفضائية في اليابان تجربةً ملهمة بحد ذاتها، خاصة وأنها تمت في ظل ظروف صعبة وغير مسبوقة في العالم جراء جائحة كورونا /كوفيد – 19/، وما ترتب على ذلك من تحديات فنية ولوجستية في مقدمتها تعطل الملاحة الجوية وحركة النقل في مختلف أنحاء العالم.
ومع ذلك، نجح فريق مسبار الأمل في إتمام عملية النقل حسب الجدول الزمني المقرر، في رحلة استغرقت أكثر من 83 ساعة براً وجواً وبحراً، ومرت بثلاث مراحل رئيسية، روعي خلالها اتخاذ تدابير وإجراءات لوجستية محكمة، لضمان إيصال المسبار إلى وجهته النهائية قبل الإطلاق في وضعية مثالية.
مسبار الأمل، صورة مريخية شاملة.
ومن المخطط أن يصل مسبار الأمل إلى مدار كوكب المريخ في الربع الأول من العام 2021، بالتزامن مع احتفالات دولة الإمارات بالذكرى الخمسين لقيام الاتحاد، في رحلة يتوقع أن تستغرق سبعة أشهر، يقطع خلالها المسبار 493 مليون كيلومتر.
وسيظل مسبار الأمل في مدار الكوكب الأحمر سنة مريخية كاملة، أي ما يعادل 687 يوما، يجمع خلالها بيانات علمية مهمة حيث سيوفر المسبار أول صورة شاملة عن الظروف المناخية على كوكب المريخ على مدار العام، ورصد تغير الجو خلال فترات اليوم وبين فصول السنة، وهو ما يشكل سابقة علمية من نوعها، إذ أن معظم مهمات استكشاف المريخ السابقة انصب تركيزها على دراسة تضاريس الكوكب الأحمر والطبيعة الجيولوجية له وليس المناخ، ومن شأن هذا الأمر أن يوفر للعلماء معلومات جديدة عن مناخ المريخ بما في ذلك العواصف الترابية المريخية الشهيرة التي تهب على الكوكب الأحمر على شكل أكوام هائلة من الغبار الأحمر فتغمر الكوكب بالكامل، مقارنة بالعواصف الترابية على كوكب الأرض والتي تكون وجيزة وتحدث في مواقع محددة.
وتشمل مهام مسبار الأمل العلمية كذلك استقصاء أسباب تلاشي الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ، وتقصي العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي الدنيا والعليا على كوكب المريخ، ومعرفة أسباب تآكل سطح المريخ، كما ستتم دراسة العلاقة بين مناخ المريخ الحالي وما كان عليه في الزمن الماضي قبل تلاشي غلافه الجوي، إذ من المهم معرفة أسباب هذا التآكل لمقارنة ذلك مع التحديات المناخية التي تواجهها البشرية على كوكب الأرض.
وسيقوم مسبار الأمل بجمع هذه البيانات الضخمة عن كوكب المريخ و إيداعها في مركز للبيانات العلمية في دولة الإمارات العربية المتحدة عبر عدد من محطات الاستقبال الأرضية المنتشرة حول العالم.. وسيقوم الفريق العلمي للمشروع في الإمارات بفهرسة هذه البيانات وتحليلها ليتم مشاركتها بشكل مفتوح ومجاني مع المجتمع العلمي في سبيل خدمة المعرفة الإنسانية.
وستشكل هذه الثروة العلمية الهائلة التي توفرها دراسة مناخ المريخ و طبقات غلافه الجوي و الظروف التاريخية التي مر بها الكوكب إضافة نوعية للمعرفة البشرية، بحيث تساعد العلماء والباحثين على دراسة إمكانية بناء مستوطنات بشرية في كوكب المريخ في المستقبل المنظور، واستشراف إمكانية الحياة في كواكب أخرى.. أضف إلى ذلك أن فهم التغيرات الجيولوجية والمناخية التي مر بها كوكب المريخ والكواكب الأخرى من شأنه مساعدتنا على فهم التطورات والتغيرات مر بها كوكب الأرض و بالتالي نكون أقدر على التعامل مع التحديات التي تواجه البشرية على الأرض وإيجاد حلول لها.
مبادرة استراتيجية وأهداف وطنية
ويعد مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل”، أضخم مبادرة استراتيجية وطنية علمية من نوعها أعلن عنها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في العام 2014 لتكون دولة الإمارات أول دولة عربية ترسل مهمة فضائية إلى الكوكب الأحمر بما يسهم في إثراء المجتمع العلمي العالمي وخدمة الإنسانية.
وتتولى وكالة الإمارات للفضاء الإشراف الكامل على التفاصيل اللازمة لتنفيذ المشروع، بينما يقوم مركز محمد بن راشد للفضاء بمتابعة تنفيذ عمليات تصميم وبناء مسبار الأمل.
وفي إطار الرؤية الاستراتيجية للمسبار، وعلى المستوى الوطني، يهدف مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ إلى تطوير رأس المال البشري في الدولة، وتعزيز ثقافة الابتكار والريادة والتميز العلمي في الإمارات، وإلهام الأجيال الشابة من الإماراتيين وتشجيعهم على الإقبال على دراسة التخصصات العلمية كالتكنولوجيا المتقدمة وعلوم الفضاء وتقنياته، كي ينضموا إلى مجتمع إماراتي علمي يشهد نمواً متزايداً من العلماء والمهندسين والباحثين في مجال الفضاء؛والارتقاء بجهود الإمارات في مجال الاكتشافات العلمية وتعزيز مساعي الدولة في تطوير منظومتها الاقتصادية وتنويعها من خلال مبادرات ومشاريع استراتيجية تدعم توجهها نحو اقتصاد المعرفة الذي يشكل عصب اقتصاد المستقبل علاوة على ترسيخ مكانة الإمارات باعتبارها الدولة الأكثر تقدماًوتطوراً في المنطقة في قطاع الصناعات الفضائية، وبناء شراكات دولية في قطاع الفضاء بما يسهم في تحقيق الفائدة للبشرية، والتصدي لأبرز التحديات التي يواجهها العالم.