الإمارات في الخمسين: الضمان الاجتماعي

بقلم الدكتور عبدالله جمعة الحاج

الضمان الاجتماعي في دولة الإمارات العربية، يعتبر من أهم برامج الحكومة الاتحادية لخدمة المواطنين، ويدخل فيه مقدار كبير من موازنة الدولة السنوية، ومقارنة بحجم الكثافة السكانية المواطنة في البلاد، يعتبر البرنامج من الناحية النسبية من أكبر البرامج التي تنفذها دول العالم لرعاية مواطنيها.
وتوجد أقطار قليلة حول العالم لديها ميزانيات ضخمة، كالتي تتواجد في نظام الضمان الاجتماعي الذي ترعاه دولة الإمارات، وهو برنامج يطال تقريباً جميع مواطني الدولة الاتحادية، والذين يدخلون ضمن متلقي منافع هذا البرنامج هم من الأسر ذات الدخل المتوسط فما دون والذين تتشكل منهم أغلبية الأسر المواطنة.
وما يميز برنامج دولة الإمارات للضمان الاجتماعي هو أن الخزينة الاتحادية هي التي تتكفل بدفع تكاليفه كاملة ولا تفرض على المواطنين أية مدفوعات أو تكاليف مالية لكي يتم ضمهم إلى هذا البرنامج، وفي نفس الوقت فإن أعداداً كبيرة من المواطنين كبار السن والأرامل والمطلقات وأصحاب المداخيل الضعيفة والأيتام ومن يفصح عن نفسه بأنه محتاج إلى الدعم الحكومي تضاف عضويته إلى المستفيدين.
القاعدة في مثل هذه البرامج الوطنية الكبرى، هي الاستمرارية. وفي ظل ظروف دولة الإمارات الحالية من وفرة مصادر الدخل وتنوعها ويسر العيش، هذه الاستمرارية قائمة، لكن المستقبل المأمون دائماً ما يتطلب الاستعداد لكافة الظروف .
وتدخل تجارب الأمم التي سبقت الإمارات في هذا المجال بأن برامج الضمان الاجتماعي عادة ما تواجه مصاعب في بعض الفترات، والمصاعب بدورها تقود إلى مشاكل. وتأتي المصاعب والمشاكل من قضايا تمويل برامج الضمان الاجتماعي عندما تتعرض ميزانيات الدول ذاتها للتقلبات من حيث تمويلها.
لذلك فلا بد من الاستعداد المسبق لمثل هذه المشاكل عن طريق البحث عن مصادر تمويل إضافية لبرنامج الضمان الاجتماعي الاتحادي.
ويعود السبب في ذلك إلى أن أعداد الأفراد والأسر المستفيدين منه في تزايد، خاصة مع تزايد أعداد المتقاعدين الذين يدخلون ضمن المستفيدين منه فور تقاعدهم. ما هو متوقع إذا ما استمرت الأعداد المستفيدة من البرنامج في تزايد أن يحصل عجز في ميزانيته بعد عشرين إلى خمسة وعشرين سنة من الآن، لأن ما يصرف على أوجه الاستفادة أكبر من التدفقات المالية الواردة من ميزانية الدولة الاتحادية، وهذه مشكلة مالية مستقبلية كامنة لا بد من الاستعداد لإيجاد حلول عملية لها. والخيارات المتاحة تتلخص في ثلاث طرق هي: تخفيض الامتيازات، أو فرض ضرائب من نوع ما تصب في صالح الضمان الاجتماعي، أو استثمار عائدات الضمان الاجتماعي في القطاع الخاص.
وبالتأكيد أنه ليس من الممكن تخفيض الامتيازات التي يتوجب زيادتها لكي تتساير الزيادات وتواكب معدلات التضخم المالي الذي يرتفع نتيجة لاستيرادنا له من الخارج مع السلع المستوردة كافة، كما وأنه من المستبعد فرض ضرائب في دولة لا تنتهج حتى الآن هذا الأسلوب في تمويل ميزانيتها الاتحادية، باستثناء ضريبة القيمة المضافة. فلم يبق أمامنا سوى الاستثمار في القطاع الخاص، وهي عملية معقدة تحتاج إلى متخصصين أكفاء لإسداء النصيحة الصائبة بشأنها.
ما هو قائم الآن من ضمان اجتماعي يقوم على برنامج لا غبار عليه نتيجة للأوضاع المالية الممتازة التي تعيشها البلاد وشعبها. لذلك فالإمارات قبل أن تقدم على أية خطوة مستقبلية لإصلاح نظام برنامج الضمان الاجتماعي عليها دراسة الوضع جيداً والنظر فيما إذا كانت موارد البلاد وميزانياتها المستقبلية ستبقى قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه هذا البرنامج المحكم حالياً الذي يخدم مئات آلاف الأفراد والأسر.
وبالتأكيد أن أية خطوات لإجراء تغييريات أو تعديلات أو عمليات إصلاح جذرية على مثل هذه البرامج ليست بالأمور السهلة أو اليسيرة أو التي هي في متناول الأيادي بمجرد جرة قلم، لكنها صعبة وقد تكون في بعض الأحيان قاسية جداً، خاصة على الأسر متوسطة الحال، لكن في نفس الوقت، ونحن في عام الخمسين الأولى علينا أن ننظر جيداً إلى الأمام لما يمكن لنا أن نفعله على مدى الخمسين عاماً القادمة لكي نترك للأجيال المستقبلية إرثاً حضارياً متكاملاً، وبرنامج الضمان الاجتماعي ليس مستثنىً منه.