حسام عبدالقادر | الخيال والمعلوماتية من بساط الريح إلى العالم الرقمي

قد لا تعرف الأجيال الجديدة ما هو “بساط الريح” وأهميته، وهو عبارة عن سجادة يطير بها أبطال القصص القديمة، ثم الأفلام ليذهبوا إلى أي مكان، وصورت في مئات الأفلام الأجنبية والعربية، حتى أن الفنان الراحل فريد الأطرش مثلها في أوبريت غنائي شهير له بنفس الاسم في فيلم “آخر كدبة”، حيث ذهب به لمعظم البلاد العربية يصف الجمال والمشاهد الخلابة.

تحليل بقلم: حسام عبدالقادر

نفس الأمر، في سلسلة السندباد وفيلم “لص بغداد” وغيرها من أفلام المغامرات والخيال، حيث مشهد السجادة التي يقفز البطل عليها ليطير بها وتذهب به إلى حيث يريد في لحظات معدودة، وأيضا البلورة السحرية التي تنظر في عدستها فترى ما تريد في أي مكان بالعالم، وغيرها من الخيالات التي كنا نشاهدها مشدوهين ومبهورين أمام شاشة السينما أو التليفزيون.

وكنا نستمتع قديما بهذه الأفلام التي تعرض أفلاما نطلق عليها “أفلام الخيال العلمي” نشاهد فيها مغامرات مبهرة واستخدام أدوات تكنولوجية وخيالية، وكنا دائما نتخيل أنفسنا مكان هؤلاء الأبطال الخارقين ننتقل من مكان لآخر بضغطة زر، ونتعرف على كل ما يحدث في المكان الآخر.

وأتذكر أيضا مسلسل “نايت رايدر” كان البطل يملك سيارة تتحرك وحدها وترشده ويقوم بالمغامرات من خلال هذه السيارة المعجزة وقتها، إلا أن كل هذه الخيالات أصبحت حقيقة وواقع الآن، ومن خلال شاشة صغيرة، هي شاشة الموبايل أو التابلت، تستطيع أن تشاهد ما يحدث بالعالم، وتسافر وأنت في مكانك في جولات افتراضية لمتاحف العالم، لترى كل ما تتمنى.

وكل الأفلام الخيالية التي كنا نشاهدها بانبهار، أصبحت الآن كوميدية للأجيال الصغيرة التي تتعجب ما الإبهار في هذه الأفلام عندما يتم إعادتها.

فالتطور التكنولوجي أصبح لحظيا، ولا نكاد نلتقط أنفاسنا إلا وهناك تطور جديد حدث، ولابد أن نلاحظ وندرس تأثير هذا التطور علينا ليس فقط من الجانب الاجتماعي، وإنما الاقتصادي والثقافي والإنساني أيضا.

وظهرت ثقافة جديدة أطلقنا عليها الثقافة الرقمية، أو الثقافة الإلكترونية، وأصبحت سمة أساسية في حياتنا وفي تحركاتنا بل وتتحكم أحيانا فيما نقوم به خلال جدول أعمالنا.

ويجب أن نعلم أن تأثير التكنولوجيا على حياتنا مبهرا، خاصة بعد أن أصبح كل الأشياء من حولنا ذكية، فالتليفزيون ذكيا والموبايل ذكيا والثلاجة ذكية، جميع الأشياء أصبحت ذكية، وأرجو ألا نترك أنفسنا كالعادة مستهلكين للتكنولوجيا غير منتجين لها، فنجلس ننتظر ماذا يرسل الغرب من جديد لكي نلبسه ونشاهده ونلعب به ونستمتع به، دون أن نكون على دراية بأهمية ذلك وتأثيره علينا وعلى حياتنا.

مولانا جوجل وعمنا أندرويد

وفي أوائل الستينيات من القرن الماضى كتب الكاتب الراحل علي أمين فى عموده الشهير “فكرة” عن رحلته للولايات المتحدة الأمريكية وروى أنه شاهد صندوقا به صورا تتحرك وتتكلم يسمى “التليفزيون”، وقتها اتهم البعض على أمين بالجنون وبعض شيوخ الأزهر قالوا أنه على وشك الكفر، وقامت الدنيا ولم تقعد بسبب هذا المقال، ثم ظهر التليفزيون في مصر وظهر صدق علي أمين وبدأت وسائل الإعلام تتطور بشكل متلاحق حتى أننا أصبحنا غير قادرين على ملاحقة هذا التطور الرهيب.

والعالم الأمريكى مارشال ماكلوهان” Marshal Mcluhan الذى قال عام 1967 “أن العالم أصبح  قرية صغيرة” بعد اختراع التليفزيون، لم يكن يعلم أن هذه القرية هي مساحة واسعة جدا للعالم، فالعالم أصبح “مجرد شاشة صغيرة”، هذه الشاشة قد تكون شاشة التليفزيون أو الكمبيوتر أو الموبايل من خلال هذه الشاشة الصغيرة يمكن أن نتعرف على كل ما يحدث في جميع أنحاء العالم، فالحصول على المعرفة أصبح سهلا وميسرا بعد أن كان العلماء يسافرون أميالا للحصول عليها، الآن بضغطة واحدة العالم كله يصبح بين يدينا.

وإذا كانت شبكة الإنترنت قد أحدثت انقلابا في وسائل الاتصالات فإن موقعا واحدا فقط داخل هذه الشبكة قدم انقلابا أقوى مما قدمته الشبكة نفسها وهو “جوجل” فمن خلال جوجل وتطبيقاته الهائلة يمكن لنا الحصول على أى معلومة في أي مكان على كوكب الأرض، ليس هذا فقط بل يمكننا الوصول إلى أى عنوان ببساطة من خلال الخرائط الإلكترونية السهلة بجوجل، إنه حقا “مولانا جوجل” كما أطلق عليه الدكتور حسين أمين الأستاذ بالجامعة الأمريكية في إحدى المحاضرات في نهاية التسعينيات.

ثم تقفز تقنية “الأندرويد” بعد ذلك منذ عام 2007 لتستطيع في أقل من ثلاث سنوات أن تحتل مكانة عالية في دنيا الهواتف الذكية، وكالعادة التقط جوجل التقنية الهائلة وجعل أندرويد إحدى أكبر مشاريعه، وسعى جوجل من خلال أندرويد أن يحقق رؤية معينة توفر الفرصة للشركات المصنعة بتقديم الأجهزة المختلفة بصورة أسرع، بل أتاح جوجل سوبر ماركت إلكتروني لمطوري البرامج بأن يقوموا بوضع برامجهم عليه وهو ما نسميه “Android  Market “

ويعتبر أندرويد حالة مختلفة عن بقية أنظمة التشغيل المحمولة المشهورة، حيث لا تسمح شركة آبل بتقديم نظامها الخاص IOS على منصة أخرى بخلاف آي فون، في حين تقوم مايكروسوفت بالحصول على مقابل من الشركات التي تسعى لاستغلال نظامها Windows Phone على أجهزتهم، كما أنها تفرض قيودا على التغييرات التي يمكن إدخالها على الكود.

وتلك التغييرات التي يتم إدخالها على أندرويد وفق نوايا ورغبات كل شركة هي التي تصنع الفارق بين جميع الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد، ولكن جوجل أيضا تفرض على الشركات بعض القيود التي يجب الالتزام بها مثل برنامج Gmail.

لقد ألغت وسائل الاتصال الحديثة الزمان والمكان، وأصبحت تؤثر تأثيرًا خطيرًا فى نفوس الناس وأعمالهم. ولا جدال أن هذه الوسائل لها خطرها الكبير في تكوين الاتجاهات والمعتقدات، ولا نعرف ماذا تخبئ لنا التكنولوجيا الحديثة بعد مولانا جوجل وعمنا أندرويد.